لدي فكرة جهنمية ستجعل مني رجلا ثريا.. لن أخبر بها أحدا حتى لا تسرق مني فيستفيد منها غيري.
أكاد أجزم أن كل واحد منا مرت عليه تلك اللحظة (على الأقل مرة واحدة) التي جاءته فيها تلك الفكرة الثورية ومعها الحماس المنقطع النظير وجفى النوم عيناه فطال عليه الليل ليقوم في الصباح ويبدأ رحلته في مشروع المليونير.
ما صحة هذا الكلام ؟
هل بإمكان التركيز على الفكرة أن يغير من واقعك شيئا ؟ أليست القيمة في تنفيذ وكيفية تنفيذ الفكرة وليس في الفكرة ذاتها ؟
سأحاول الإجابة على كل هذه الأسئلة من وجهة نظري الخاصة، لعلكم تجدون فيها ما يساعدكم على فهم ومعرفة حقيقة الفكرة الريادية وأركان نجاحها.
المشاريع العملاقة.. الشجرة التي تخفي الغابة
كلنا نصاب بالذهول والإندهاش عندما نقرأ عن قصص نجاح هذه الشركة أو تلك. الجميع يحلمون أن يكونوا أبطالا لقصة النجاح التالية، فكل ما ينقصهم موجود ومتوفر لديهم.. الفكرة.
في عصر الإنترنت والهواتف الذكية أصبح الإقتصاد المعرفي يهيمن شيئا فشيئا على السوق العالمي بعد هيمنة الآلة واليد العاملة طيلة قرنين أو أكثر من الزمن منذ بداية ثورة الصناعة الحديثة في أوروبا الغربية.
في عالم اليوم، الشركات الأغنى والأكثر جنيا للأرباح هي شركات التكنولوجيا التي جاء كل منها لحل مشكل من المشاكل الكثيرة التي يعاني منها الإنسان وبالتالي جعل حياته أكثر سهولة ويسرا.
الفكرة جزء له أهمية بطبيعة الحال في نجاح أي عمل، ليس على الإنترنت فقط بل في مجالات الحياة كلها. ولكنها مع ذلك ليست الجزء الأكثر أهمية في معايير نجاح أو فشل أي مشروع مهما كان نوعه.
الجزء الأهم بنظري، ونظر العديد من رواد الأعمال ممن قرأت لهم وعنهم، هي الرؤية من وراء المشروع.
أقصد بالرؤية الصورة الكاملة للأهداف التي تريد تحقيقها من وراء فكرتك ومشروعك.. تلك الأهداف هي ما سيجعلك تقوم لإنجاز مخططاتك والسهر في سبيل تحقيقها والقيام بعد السقوط، وزرع الأمل فيك بعد أن يحاصرك اليأس من جميع الجهات.
الخطأ الذي يقع فيه الكثير منها هو أننا حينما نرى مشروعا ناجحا مثل فيسبوك، انستاغرام أو أمازون فإننا نظن بأن الفكرة هي فقط ما جعلتها تنجح، ويتحسر البعض على أنه لم يفطن لفكرة التواصل الإجتماعي قبل فيسبوك أو فكرة بيع الكتب على الإنترنت قبل أمازون.
هذا هراء محض!
دعني أطمنإنك صديقي: حتى ولو فطنت لكل تلك الأفكار قبلهم فلن تحقق النجاح الذي حققوه. الفكرة هي مجرد الشجرة التي تغطي غابة كبيرة من الأشجار والعوامل التي ساهمت في نجاح تلك الشركات وتربعها على عروشها.
القاسم المشترك بين كل تلك الشركات أن لديها رؤى خاصة بها تسير عليها وتحاول إيصالها لجميع الموظفين العاملين لديها.
إذن لكي تحدد رؤية مشروعك حاول أن تبدأ بسؤال ”لماذا ؟” وتجيب عليه، هذا السؤال أهم بكثير من سؤال ”ماذا ؟” المتعلق بالفكرة في حد ذاتها.
أطلقت مدونة توتومينا منذ ما يزيد على 5 سنوات، وإلى اليوم مازلت مستمرا في التدوين فيها.
في هذه السنوات الخمس بدأ العديد من الأصدقاء مدوناتهم الخاصة وأقفلوها بعدما صدموا بضعف الزيارات. أما أنا فمازلت أصارع وأستمتع بكل زائر أو متابع أكسبه في سبيل تحقيق رؤيتي في المساهمة بتحسين المحتوى العربي على الإنترنت.
صدقوني لو سرت وفق رؤية مادية محضة وسطحية لانسحبت منذ وقت طويل ولبقيت خلف الشاشة أجني دريهماتي من عملي كمطور كما يفعل الجميع.
سؤال "لماذا" هو ما جعلني أتجاوز تلك الأيام التي كان يأتي فيها للمدونة 10 أشخاص أو 20 في أحسن الأوقات. لا أنكر أنني شعرت بالإحباط الشديد والرغبة في الإنسحاب، ولكن كلما تذكرت ذلك السؤال وفكرت فيه وقفت من جديد واستجمعت طاقتي حتى أصبحت المدونة تحقق مئات الزيارات وبات لديها صدى طيب اليوم.
إيلون ماسك وجوجل
غالبية الأفكار الناجحة اليوم لم يكن الذي جعلوها تنجح أول من فكر فيها.. بل ببساطة هم أول من قاموا بتنفيذها كما يجب وبالطريقة المثالية التي لم يسبقهم إليها أحد.
شركة جوجل على سبيل المثال لم تكن أول من فكر في محرك بحث على شبكة الويب، ولكنها كانت أفضل من طبق الفكرة ونفذها بشكل مثالي أدى إلى السيطرة على ذلك السوق بشكل شبه كامل.
الفكرة لوحدها لا تضمن نجاح المشروع بأي شكل من الأشكال.. النجاح على الورق شيء والنجاح على أرض الواقع شيء آخر تماما.
هذا ربما يفسر كون الشركات والمساهمين الكبار في العالم يفضلون الإستثمار في الأشخاص عوض الإستثمار في الأفكار. الأشخاص الجيدون والماهرون يستطيعون إنجاح الفكرة ـ بغض النظر عن ثوريتها ـ وتحويلها إلى دجاجة تبيض ذهبا.
السيارة الكهربائية لم يكن إيلون ماسك بالتأكيد أول من فكر فيها، ولكن هو أول من استطاع تقديمها إلى العالم وتوفرت لديه المقدرة على جذب المستثمرين وإقناعهم بوضع ملايين الدولارات رهن إشارة المشروع. السبب أن إيلون ماسك شخص يثق كل العالم في عبقريته وقدرته على تحويل الفكرة من عالم الخيال إلى عالم الواقع بأفضل طريقة ممكنة وضمانات كبيرة لنجاحها.
المبدعون لا يقلقون من سرقة أفكارهم، فحتى لو حدث ذلك فإنهم قادرون على إعادة إنتاجها بشكل يضيف عليها اللمسة الإبداعية التي تمنحها الأفضلية على أي منافس.
سؤال ”كيف ؟” هو الآخر غاية في الأهمية وهو السؤال الذي قد يحدد نجاح أو فشل تنفيذ الفكرة.
في الختام
الفكرة مهمة وربما تلعب دورا مهما في نجاح المشروع، ولكنها بالتأكيد ليست العامل الأهم.
صدقني يا أخي، تجارة الأفكار هي تجارة غير رائجة وغير مربحة، لا تضيعوا أوقاتكم في القلق بشأنها. استثمر وقتك في بناء شخصيتك وتحسين مهاراتك، هذا ما سيجعلك إنسانا ناجحا وقادرا على إنجاح أي مشروع.
لا تحكم على الأشياء من مظهرها فقط، الأمور أعقد بكثير مما تبدو عليه.
النجاح هو مسيرة طويلة من التعلم، من السقوط والنهوض، من الإحباط والأمل.
لا تتوقع أن حماس الفكرة سيظل يرافقك طيلة الوقت، إن لم تكن إنسانا مثابرا، منجِزًا، ماهرًا فسيبقى الوصول للهدف مجرد أمنية بعيدة المنال.