بدأت مسيرتي كمطور ويب محترف منذ ما يزيد على 7 سنوات. لو طلب مني أحد اختيار أفضل إنجازٍ لي خلال هذه المسيرة الطويلة، فسأجيب من دون تردد: “أفضل إنجاز لي كمطور ويب هو الدخول لمجال التدوين الإلكتروني”.
الأسباب التي جعلتني أختار هذه الإجابة متعددة وتمس جوانب عدة. سأحاول ذكر أهمها في هذه التدوينة التي أتمنى أن تحفز في داخلكم الرغبة في بدء مسيراتكم مع التدوين وصناعة المحتوى في مجالات تخصصكم.
العربية لغة الحياة التي يجب أن تنتصر
أسمح لنفسي باستعارة هذه العبارة الجميلة من مدونة الصديق أمناي أفشكو، وكلانا من أصول أمازيغية :) ولكن يجمعنا كذلك حبنا للغة الضاد وإيماننا العميق بأن هذه اللغة تستحق مكانة على الإنترنت أفضل بكثير مما هي فيه الآن.
سأعود بالزمن قليلا إلى الوراء، تحديدا سنوات الدراسة الجامعية بين عامي 2007 و 2010. في تلك الفترة كان المحتوى العربي على الإنترنت شبه منعدم وخاصة في مجالات التقنية والبرمجة. باستثناء بعض المنتديات (ستاتايمز، برامج نت …)، لم يكن هناك أي مصدر عربي للتعلم والإستزادة وهذا كان يمر على كثير من زملائي مرور الكرام ولكن ليس عليَّ.
دائما كنت أتساءل، لماذا المدونون الأجانب يدونون في مجالات تخصاصاتهم ويشاركون أبسط المعلومات مع متابعيهم، بينما لا يوجد هناك تقريبا أي مدونين عرب في هذا المجال ؟ رغم أن الجامعات والمعاهد عندنا تخرج آلاف المهندسين والتقنيين كل عام! الجواب الشافي على هذا السؤال لم أجده إلى يومنا هذا، رغم أنني حاولت مرارا تحليل وجرد بعض الأسباب التي من الممكن أنها تقف حائلا بين المبرمج العربي والتدوين.
المهم أن هذه الفترة كان مفصلية في حياتي كمدون وكإنسان أيضا. تلك الفترة علمت وأيقنت فيها أن اللغة إذا لم ينهض بها أصحابها لن ينهض بها أحد آخر، لا يمكن أن ننتظر مبرمجين من أمريكا أو فرنسا ليدونوا باللغة العربية حتى نجد لها مكانا في محركات البحث بين اللغات الأخرى. إذا كان على أحد أن يقلق على لغة الضاد فهو أنا وأنت وكل فرد من شعوب الدول العربية.
أدوِّن لكي أتعلم أكثر
قد يستغرب البعض منكم من هذا الكلام، ولكن أنا فعلا أدون لكي أتعلم أكثر وأزيد من خبراتي في مجال تخصصي.
لا تظنوا أنني أستخدم جميع التقنيات التي أكتب عنها في هذه المدونة، فمثلا كتبت العديد من الدروس والمقالات عن React Native رغم أنني في الأصل مطور واجهات أمامية (Frontend Developer) ولا علاقة لي بتطبيقات الأجهزة المحمولة، فهاذا مجال آخر يمكن التخصص فيه لوحده. ولكن في اليوم الذي قررت فيه أن أكتب عن React Native، أردت أن أكتب حولها على بصيرة وفهم عميقين، فأمضيت أياما وساعات طويلة في البحث حولها وقراءة عدد كبير من المقالات والدروس التي تشرح جميع جوانبها. والآن أنا بصدد تطوير تطبيقي أندرويد و iOS لمدونة توتومينا باستخدام إطار العمل React Native، الشيء الذي لم يكن باستطاعتي فعله لو لم أبدء في الكتابة عن هذا الموضوع.
نحن ندوِّن لكي نفيد ونستفيد
أحفظ معلوماتي في تدويناتي
المعلومات التي تسمعها قد تنساها سريعا، والتي تراها تبقى في مخيلتك لفترة أطول. أما التي تكتبها فهي باقية وحتى إذا خانتك ذاكرتك في تذكرها فإن تدويناتك هناك لإسترجاعها في أي وقت تحتاجها فيه.
العديد من المعلومات والدروس التي أنشرها في مدونتي أعود إليها من حين لآخر لكي أخذ منها معلومة أحتاجها في وقت أو ظرف معين. هذا يحدث معي كثيرا حتى مع المدونات الأخرى، فمثلا عندما أجد بعض المشاكل في إعداد Webpack أتوجه مباشرة لإحدى المدونات التي سبق لي وأن قرأت فيها مقالا حول هذه الأداة لأجد الحل لمشكلي.
المشاركة ومساعدة الغير خلق محمود
مشاركة علمه مع الآخرين صفة محمودة في كل إنسان، ولا توجد أي شريعة إلا وتحض على البذل ومساعدة الآخرين. بل إن الإسلام ذهب أبعد من ذلك وحض المسلمين على الإيثار ونكران ذواتهم في سبيل مساعدة الآخرين وحل مشاكلهم.
فأين نحن كمبرمجين من هذه المعاني الجميلة ؟ ألا يمكن اعتبار التدوين ومشاركة العلم والمحتوى مع الآخرين نوعا من البذل وفعل الخير ؟ شخصيا أرى الأمر كذلك.
النسبة الكبيرة من المدونين يكون هدفهم الأول هو الربح المادي، ولهذا تبوء محاولات أغلبهم بالفشل. المبدأ هو الذي يجعلك تستمر، وهو الذي جعلني أستمر في التدوين 3 سنوات من دون أي ربح مادي.
عدد كبير من أصدقائي، الذي يحبونني ويريدون لي الخير، ينصحونني بأن الربح من المحتوى العربي ضعيف ولا يساوي 10% من المجهود الذي يبدل في صناعته. أعذرهم، فالظروف التي يعيشها معظم الشباب العربي صعبة نوعا ما، ما يجعل الماديات وتحقيق المال أبرز أهدافهم في الحياة. لا يمكنني أن أرفض الربح المادي فهذا منافٍ للفطرة ومنطق الحياة، ولكن لا يجب أن يكون هذا هو العامل الوحيد الذي يحدد قراراتي وتوجهاتي.
من خلال التدوين أبني سمعة جيدة لإسم مدونتي في مجال البرمجة
ربما يكون هذا هو الهدف المادي الوحيد هنا، وهذا لا يتعارض إطلاقا مع المبادئ التي ذكرتها آنفا.
جميع المدونات الناجحة عربيا وعالميا بدأ أصحابها بفكرة العطاء قبل الأخذ، وعندما تستمر في العطاء فإن الحياة ستكافئك عند نقطة معينة لقاء كل ما بذلته في السابق من تضحيات وجهود. هذه سنة الله في الكون.
دائما ما أجد الإلهام وجرعة التحفيز في مدونة رغيب أمين التي أسماها ”المحترف”. الرجل انطلق من الصفر وصرح في أكثر من مناسبة بأن دخله من المدونة في السنوات الأولى لم يتعدى دولارين اثنين في الشهر من الإعلانات. لا يمكن لأي مدونة أن تستمر في ظل هذه الظروف إلا إذا كان مالكها صاحب مبادئ قوية جعلته يبقى واقفا ومتحديا كل تلك الصعاب والعراقيل. اليوم أنتم ترون بأن هذه المدونة هي الأولى عربيا في مجال التقنية وفتحت لصاحبها آفاقا عديدة لم يكن يحلم بها، سواء اتفقنا أو اختلفنا مع جودة وقيمة المحتوى الذي تقدمه. المهم أن رغيب قطع شريط البداية وما على منتقديه إلا أن يأتوا بما هو أفضل حتى يثبتوا صحة أقوالهم ويرتقوا بمحتوى اللغة العربية التقني. غير ذلك لا يجدي.
أنا الآن أقوم بما علي فعله، أصنع محتوى حصري وجيد قدر استطاعتي. في القادم من السنوات، أنا متأكد إن شاء الله بأن مدونة توتومينا سيزداد انتشارها وسيعرفها عدد كبير من المطورين العرب، عندها ستفتح لي أبواب الكسب منها كما فتحت لغيري من قبل في إطار منطق رابح ـ رابح بيني وبين المتابعين.
أنا لست مستعجلا، فما دمت أدوِّن وأمارس هوايتي فأنا أعتبر نفسي ناجحا منذ الآن.
النهاية
لو قارنت بين الناجحين من الناس وغيرهم، فسكتشف بأن الفرق يكون غالبا في العقلية والزاوية التي تُرى منها الحياة.
الجميع درسوا وتخرجوا من الجامعات، ولكن قليل منهم فقط نجحوا في تحقيق أحلامهم في الحياة. أين زملاء ستيف جوبز في الدراسة ؟ أين زملاء بيل غيتس وإيلون ماسك ؟ شخصيا لا أعرف منهم أحدا.
الفرق لا تحدثه الشهادات الجامعية والأكاديمية بقدر ما تحدثه العقلية وفلسفة العطاء قبل الأخذ. يقول روبرت كيوساكي في كتابه “الأب الغني والأب الفقير” :
ابذل المعرفة، وستتقلى المقابل. ولقدت وجدت أنه كلما أعطيت علما لأولئك الراغبين في التعلم، زاد ما أتعلمه. فإن أردت العلم بالمال، فقم ببذل هذا العلم لغيرك. ولسوف يفيض عليك ذلك بسيل من الأفكار الجديدة والبصائر الأحكم. وصحيح أنه كانت هناك أوقات بذلت فيها ولم أتلقى مردودا، أو اختلف ما تلقيته عما رغبت فيه. ولكن بعد التمعن والإستشفاف، أجد أنني تلقيت ما فيه نفعي وإن لم أعرف ذلك منذ الوهلة الأولى.