ربما يبعث عنوان هذه المقالة على الإستغراب أو حتى السخرية، ولكن أنصحك بأن لا تتسرع في الحكم على الموضوع قبل فهم المقصود جيدا.
سيمولايف، لمن لا يعرفه، هو شاب مغربي دخل مجال العمل على الإنترنت منذ ما يزيد على 10 سنوات، ليكون بذلك من أوائل الشباب المغاربة الذين رأوا في الإنترنت شيئا آخر غير MSN Messenger وأخواتها من تطبيقات ومواقع الدردشة والتعارف.
هذا الشاب بدأ ببيع الزرابي المغربية التقليدية على موقع إيباي، وكانت العائدات التي يجنيها من هذه التجارة تذهب لأحد أقاربه في فرنسا قبل أن يحولها الأخير لصاحبها في المغرب عن طريق ويسترن يونيون، والسبب معروف وهو أن وسائل الدفع التي كان إيباي يتيحها لم يكن أي منها مدعوما في المغرب.
بعد مدة قصيرة توقف هذا النشاط التجاري بسبب ظروف خاصة مر بها محمد بعبيط (الإسم الحقيقي لسيمولايف)، ولكن هذه الفترة القصيرة كان كافية لإقناع الشاب بأن العمل والربح من الإنترنت حقيقية واقعة وليس مجرد خرافة أو كذبة كما كان يعتقد معظم الناس في المغرب آنذاك.
تعمق سيمولايف بعد ذلك فيما يعرف بأساليب الربح من الإنترنت، وتعلم بنفسه كيف يكون مسوقا إلكترونيا ناجحا حتى بات واحدا من أشهر المسوقين العرب على الإنترنت، واستطاع تحقيق أرباح تعد بمئات الآلاف من الدولارات من كليك بانك وحدها.
منذ بضعة أعوام اختار سيمولايف الإستقرار في تايلاند ولكنه لم يقطع أواصره مع المغرب والشباب المغاربة، فقد بقي على تواصل شبه منتظم معهم على مختلف وسائل التواصل الإجتماعي. وازدادت شهرته بين رواد الإنترنت المغاربة حتى بات قدوة للعديد منهم بفضل النصائح والتوجيهات وكذلك جرعات التحفيز التي يقدمها إليهم في فيديوهاته المنتشرة على يوتيوب.
الأغبياء ينجحون أكثر من الأذكياء
في أحد الأيام دخلت لأشاهد أحد هذه الفيديوهات على يوتيوب، ولم أدري حينها أن هذه المشاهدة ستغير من طريقة تفكيري الشيء الكثير.
في ذلك الفيديو قال سيمولايف بأنه يعتقد يقينا بأن الأغبياء ينجحون عادة أكثر من الأذكياء، وذلك لسبب واحد هو أن معظم الناجحين كانوا مستعدين لتكرار نفس المهام يوميا بدون كلل أو ملل حتى يصلوا إلى النتائج والأهداف التي رسموها في البداية. هذا التكرار والإستمرار في فعل نفس الشيء والتركيز عليه لا يقوم به عادة الناس الذي يحسبون أنفسهم من الأذكياء، لأنهم دائما يبحثون عن الطرق المختصرة لتحقيق أهدافهم، بينما الفئة القليلة الناجحة تدرك تماما بأن النجاح ليس مسألة سهلة ولا يتأتى إلا بالعمل والجد والصبر.
في الحقيقة، هذه الفكرة أو النظرية لم يبتدعها سيمولايف وليست خاصة به، فقد قال بها انشتاين قبل عقود طويلة حينما نفى عن نفسه صفة الذكاء الخارق وعزى نجاحه وابتكاراته إلى محاولاته الدائمة والمستمرة في حل المشاكل التي تواجهه. يقول انشتاين :
ليست الفكرة في أني فائق الذكاء، بل كل ما في الأمر أني أقضي وقتاً أطول في حل المشاكل__.
وقال في موضع آخر :
المعرفة ليست المعلومات، فمصدر المعرفة الوحيد هو التجربة والخبرة
جميع العباقرة والناجحين تقريبا عاشوا تجربة الإصرار والمثابرة، يقال بأن توماس إديسون قام بأزيد من 1000 محاولة فاشلة لصناعة المصباح الكهربائي قبل أن ينجح في تحقيق هدفه أخيرا. وهناك حكمة إنجليزية تقول بأن التكرار هو أم التعلم، فتخيل معي لو أنك عزمت على النجاح كمدون وبدأت بنشر تدوينة كل يوم أو يومين، بعد عام ستكون قد نشرت 200 تدوينة على الأقل، وبعد عامين ستصل ل 400 تدوينة، أليس هذا العدد الكبير من التدوينات كفيل بجعل مدونتك معروفة وناجحة مهما كان المجال الذي تدون فيه ؟
المشكل الذي يعاني منه معظم الذين لم ينجحوا كمدونين هو استعجال الربح وتوقع قطف الثمار بعد التدوينة الأولى أو الثانية، هذا هراء! إنهم يحسبون أنفسهم أذكياء ولذلك يتركون التدوين ليبحثوا عن وسيلة أسهل لكسب المال. ليس هناك وسيلة سهلة لربح المال! هناك فقط العمل والتعب والصبر والنتائج ستأتي بعد ذلك.
مثال حفر البئر
هناك مثال آخر ضربه سيمولايف وألهمني كثيرا، إنه مثال حفر البئر والتنقيب عن الماء.
تخيل معي بأنك تريد حفر بئر للوصول إلى المياه الجوفية، عندما تبدأ الحفر في نقطة معينة وتستمر في هذه العملية لفترة طويلة فمن شبه المؤكد بأنك ستصل إلى الماء بعد أيام أو شهور، وحتى إذا لم تجد الماء فإنك على الأقل ستكون متأكدا بأنه لا وجود له في هذا المكان. أما إذا كنت تحفر قليلا في مكان ثم بعد متر أو مترين من الحفر تنتقل لمكان آخر، فمن المؤكد بأنك لن تحصل أبدا على الماء حتى ولو كانت الفرشة المائية موجودة بالفعل وقريبة من السطح، والسبب أنك لم تركز على نقطة واحدة فتشتت بذلك تركيزك وضاع مجهودك سدىً!
[bctt tweet=“التركيز والإصرار عاملان حاسمان لتحقيق الأهداف” username=“tutomena” prompt=“غرد على تويتر”]
النهاية
إن الذكاء الحقيقي ليس البحث عن الطرق السهلة المختصرة لتحقيق الأهداف الكبيرة، بل الذكاء هو رسم الأهداف ووضع خطة عمل واقعية والمواظبة عليها بدون كللأو ملل، حتى ولو كان هذا سيجعلك تبدو أمام الآخرين غبيّاً.