المبرمج العربي المحترف لا يدون! لماذا ؟
من بين أهم الأشياء التي أعيبها على المبرمجين العرب المحترفين إحجامهم عن التدوين وترك بصمة لهم على شبكة الإنترنت لكي يستفيد منها من يأتي بعدهم للتعلم وأخذ العبر والدروس من تجاربهم.
عشرات المدونات الأجنبية أدخل إليها باستمرار لأتعلم منها وأستفيد مما توصل إليه الآخرون من تقنيات في مجال البرمجة وتصميم المواقع، وددت لو كان من بين هذه العشرات من المدونات بعض من المدونات العربية في ذات المستوى حتى أفتخر أمام أولئك الأجانب أن محتوى لغتنا لا ينقصه شيء كثير ليصل إلى ما وصل إليه محتواهم. هذا ما دفعني حقيقية لافتتاح مدونة توتومينا وأساهم بما لدي من علم ومعرفة في تحسين ودفع المحتوى العربي على الإنترنت إلى الأمام قدر استطاعتي.
ومن خلال علاقتي واحتكاكي بأصدقائي المبرمجين والمطورين العرب سأحاول عرض عدد من أهم الأسباب والحجج التي تجعلهم يبتعدون عن التدوين ومشاركة معارفهم مع بني جلدتهم.
عدم تنظيم الوقت
العمل 8 ساعات في اليوم في المكتب أمر منهك فلا تكاد تجد فرصة للتدوين إلا في نهاية الأسبوع التي أعتبرها الفرصة الذهبية الواجب استغلالها لنشر محتوى جديد في مدونتك، هذا ما يفعله معظم المبرمجين والمطورين الأجانب.
ولكن الوضع مختلف عند المبرمجين العرب، فمعظم المحترفون تجدهم يعملون حتى في عطلة نهاية الأسبوع إما أعمالا حرة أو تعلم تقنيات جديدة من أجل التطور والترقية لمنصب أعلى في الشركة وبالتالي راتب أفضل وهذا شيء جميل نشجع عليه، فالتعليم الذاتي أمر لا غنى عنه في هذا المجال. ولكن ماذا سيستفيد منك الآخرون لو سخرت كل وقتك لهذا فقط ؟ ماذا لو كان جميع المطورين في العالم بنفس عقليتك ؟ هل ستجد مصادر ومنشورات تتعلم منها ؟ هل ستجد دورات ودروس مجانية على اليوتيوب تساعدك على الإرتقاء بمستواك ؟ نظم وقتك يا صديقي، تعلم وطور نفسك ولكن لا تنسى أن هناك من يبحث عن معلومة قد تكون بسيطة وتحتكرها أنت، شارك هذه المعلومة مع غيرك وستجد لذة الإحتراف الحقيقية وانفع الآخرين بعلمك كما انتفعت ومازلت تنتفع بعلم غيرك من دون مقابل.
المحتوى العربي ضعيف
أحد الأسباب الأخرى لإحجام المبرمج العربي عن التدوين هو ضعف الطلب على المحتوى التقني العربي نظرا لضعف ثقة المستخدمين في هذ المحتوى، وهذا أراه شخصيا من نتائج تقصيرنا، نحن كمحترفين، وتركنا المجال لعدد من المبتدئين الذين ينشرون محتويات تفتقر للجودة والعمق الكافي لإستمالة المبرمج العربي الباحث عن التعلم واكتساب مهارات جديدة في الميدان.
الطلب على المحتوى العربي والتفاعل معه لن يتقدم خطوة إلى الأمام إلا إذا قمنا بتطوير وزيادة هذا المحتوى حتى نصل به إلى المستوى الذي يكون فيه قادرا على جذب المستخدمين العرب بجميع مستوياتهم: محترفين وهواة.
العجز والكسل
أول كلمة نزلت في القرآن الكريم هي ”إقرأ”، ولكن للأسف نحن أمة لا تقرأ إلا قليلا، ومعدل القراءة لدينا من بين الأدنى عالميا. وإذا كنا لا نقرأ فهذا يعني تلقائيا بأن التأليف والكتابة سيقلان لدينا كذلك، لكن لماذا لا نقرأ رغم أننا نستطيع القراءة ؟ لماذا نريد دائما المعلومة الجاهزة لإلتقاطها دون بدل أي جهد ؟ إنه الكسل والإتكالية، نتكل على الآخرين لكي يجهزوا لنا المعلومة وبعد ذلك نقوم باستهلاكها تماما كما نستهلك في الميادين الأخرى دون أن ننتج.
الأمور كلها مترابطة، فلو قمت ببحث حول إحصائيات الدول الأكثر مشاركة للمحتوى عبر الإنترنت فستجدها دولا متقدمة اقتصاديا، لست أدري هل هذا نتيجة للتقدم الإقتصادي أم سبب له، المهم أن هناك علاقة مضطردة بين الأمرين وأعتقد أنه إذا زادت ونمت ثقافة المشاركة والتأليف لدينا فلن يكون المحتوى العربي على الإنترنت هو المستفيد الوحيد بل ستنتفع بهذه الثقافة كذلك باقي القطاعات ومنها الإقتصاد بالتأكيد.
الأنانية
يجب على المبرمج العربي أن يكون واعيا بأن هذا المجال واسع بما فيه الكفاية ليتسع للجميع، فلا داعي للخوف وهذه الفوبيا من مشاركة معارفك مع غيرك. الأنانية صفة قبيحة في أي إنسان حيث تجعله يفكر في نفسه فقط ولا يلقي بالا للآخرين. حتى في التفاعل نجد أنفسنا أنانيين، فما إن نلتقط معلومة أو مساعدة من موقع أو مدونة حتى نخرج بسرعة دون أن نكلف أنفسنا عناء ترك كلمة شكراً.
[caption id=“attachment_994” align=“aligncenter” width=“600”]](/assets/images/selfish.jpg) هذا يعطي وذاك يأخذ\
الإرتقاء التقني وحده لن يكفي إذا لم يصاحبه ارتقاء ثقافي العطاء قبل الأخذ سرُّه.
الإنغلاق وعدم التواصل
أعرف عددا غير قليل من المبرمجين المحترفين البارعين، بعضهم لا يتوفر حتى على حساب على أي من شبكات التواصل الإجتماعي فكيف تريد منه أن يفتح مدونة وينشر فيها. هم يعملون كثيرا ويقولون أنهم لا يملكون وقتا ولا يجدون حافزا للكتابة والنشر، ولكن هذه الأعذار واهية وغير مقبولة! فهناك مبرمجين أجانب نعرفهم جميعا يديرون مشاريع وشركات في غاية الضخامة ومع ذلك يجدون دائما وقتا للتدوين والتفاعل مع متابعيهم. المسألة كلها مسألة علو همة وتنظيم وقت كما ذكرت في البداية.
خاتمة
اختلاق الأعذار والعراقيل لن يفيدنا ولن يفيد المحتوى الرقمي العربي في شيء، البداية تكون بالنهوض والعمل ويبدأ كل واحد منا في تجسيد التغيير الذي يريد أن يراه في حياته. وسبحان الله العظيم الذي قال في محكم تنزيله :
{{إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ }} [الرعد:11]